عبد القادر تيديكلت
المدير العام
عملي : هويتي : المزاج : الساعة الآن : الموقع : تيديكلت ابداع الوظيفة : المدير العام للمنتدى عدد المواضيع : 32873
بطاقة الشخصية مشاركة الموضوع : مشاركة
| موضوع: بهذا الإيقاع والشكل.. سنفشل مجدّدًا . الثلاثاء 17 مايو 2011, 00:18 | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] عندما كتبتُ في مقال سابق عن التعاسة النفسية والأخلاقية والمادية التي يعيشها شعبنا داخل الأسرة والمدرسة والشارع والمؤسسة، وفي الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية والرياضية، تعمّدتُ الابتعاد عن الحديث عن المستقبل حفاظا على المعنويات، وتجنبا لليأس والشك اللذين قد يسكنان النفوس، وتجنَّبتُ الخوض في ما ينتظر أبناءنا وبلدنا إذا لم نستدرك الأمر، أملا في تدارك هفواتنا، وحتى لا أصنف كذلك ضمن خانة المتشائمين والجاحدين، لأنني فعلا متفائل بمستقبل أفضل وأقدّر جهود الرجال. ولكن أحد الزملاء والأصدقاء الأعزاء من الذين يعرفون خبايا الأمور وخفاياها، شجعني على ضرورة الكتابة عن المستقبل، والتذكير بأن الجزائر منذ عشرين عاما وفي أوج أزمة بداية التسعينيات، كانت تفكر وتحاول التخطيط لجزائر 2022 في شخص المرحوم الدكتور جيلالي اليابس الوزير السابق للتعليم العالي، رفقة مجموعة من الخبراء حاولوا استشراف المستقبل عبر تحليل واقعنا آنذاك ومشاكلنا وحاجيات أبنائنا بعد ثلاثين عاما، ولكن استنتاجاتهم وتوصياتهم ذهبت أدراج الرياح، واغتيل المشروع وضاعت جهود الرجال مع اغتيال المرحوم! حدث هذا في أوج الأزمة عندما كان يقتل بعضنا بعضا، وعندما كانت الجزائر لا تملك ثمن شراء باخرة قمح، وكنا محاصرين من الأصدقاء قبل الأعداء، وكان العالم يتفرج علينا ويعتبر ما يحدث في الجزائر أمرا استثنائيا لن يحدث في أي بلد آخر، وحتى الجار المرحوم الحسن الثاني ملك المغرب اعتبر الجزائر آنذاك مختبرا للتجربة الأصولية.. واليوم وفي ظل الحراك الحاصل عندنا وحولنا، وحاجتنا إلى الاستثمار في العقول والقلوب والنفوس، والإيرادات الضخمة بالكيفية اللائقة، لم نقدر على التفكير إلا في مخطط تنموي خماسي قصير المدى بالنسبة لحياة الشعوب والأمم، ولا نقدر على تجسيده إلا بعد عشر سنوات، وكل من يفكر ويتحدث عن المستقبل يكتفي بالتحضير للموسم الدراسي المقبل والموسم الرياضي القادم، ونكتفي بالحديث عن موسم الاصطياف ورمضان 2011 والدخول الاجتماعي القادم. كما أن الساسة لا يفكرون إلا في الانتخابات التشريعية والبلدية القادمة، رغم أن رؤساءنا ووزراءنا وولاتنا ومديرينا عمّروا عشرات السنين وكل تفكيرهم تركّز حول المستقبل القريب ومستقبلهم الشخصي واستمرارهم في مناصبهم، مع احترامي وتقديري للكثير من النزهاء والمخلصين الذين يفكرون ويدبرون ويجتهدون ولكنهم مغيبون ومهمشون.. - الخريطة السياسية والاجتماعية لعالمنا العربي من حولنا تشهد تغييرات تاريخية يصنعها جيل جديد بسلبياته وإيجابياته، ونحن ما زلنا نتحدث عن تشكيل لجان تغيير الدستور وتغيير قانون الانتخابات وإقالة الحكومة، ونتحدث عن إصلاحات يقوم بها المفسدون ذاتهم، دون أن نعرف لحد الآن مشروع المجتمع الذي نريده لأبنائنا ، ودون أن نقيّم مشوارنا ونصحح أخطاءنا. - مواليد سنة 2000 سيبلغون سن العشرين بعد سنوات، ولا نعرف ما يحتاجونه من أكل وملبس ومرافق صحية ومقاعد بيداغوجية ومدارس وجامعات ومراكز للتكوين وملاعب وقاعات رياضية، ولا نعرف توجهاتهم واهتماماتهم، ولا التوجهات الفكرية والعلمية والتقنية للألفية الجديدة. - جامعاتنا يتخرج منها الآلاف سنويا ليلتحقوا بعالم الشغل دون أمل في الحصول على وظيفة، واقتصر تدبيرنا على حساب المقاعد التي نحتاجها والإقامات والمطاعم الجامعية التي يجب توفيرها، ونسينا المنظومة التربوية والعلمية التي تجاوزها الزمن ولم تعد تناسب الجيل الحالي. - غدًا لن يكون سعر البترول 100 دولار، ولن تكون أسعار القمح والسكر والقهوة والحديد والخشب على ما هي عليه اليوم في السوق العالمي، ومساحات الأراضي الفلاحية عندنا ستتقلص بنفس الإيقاع الذي يسير عليه البناء وغزو الإسمنت، ولا أحد يعرف ماذا سنحتاج من الموارد البشرية والمادية والمهارات المتخصصة لمواجهة التحديات المقبلة. بالإيقاع الذي تسير عليه الإصلاحات المعلنة والتزاماتنا مع الساسة والعمال والفلاحين والطلبة ومع الباحثين عن العمل والسكن، وباعتمادنا الحلول الترقيعية والشعبوية لمشاكلنا، سنصطدم بأزمات أخرى أكبر من أزمة الثقة والأزمة الأخلاقية التي نعاني منها اليوم. - بعد خمسين عاما من الاستقلال لم نستقر على مشروع مجتمع مناسب وواضح المعالم، ولا نعرف مصيرنا ومصير بلدنا وأبنائنا خلال الخمسينية المقبلة، ولا نملك استراتيجية فعلية لمواجهة التحديات التي ستواجهنا في السياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة، وفي بناء الإنسان الجزائري والمحافظة على مقومات الدولة الجزائرية. - سنواجه بعد سنوات جيلا مختلفا يؤمن بالملموس ويكفر بالشرعية التاريخية والثورية ولا يفكر مثلنا، ولن يصبر على الظلم والفساد والتهميش، ولن يرضى عن العدل بديلا.. جيلا لا يخفى عنه شيء بفضل وسائل الاتصال الحديثة، ويمكنه بجهاز حاسوب أن يغير الأنظمة ويطيح بالحكام.. جيلا فقد الأمل في الحصول على فرصته بسبب أنانية من يعتقدون بأنهم أوصياء علينا، وبأننا قاصرون وغير قادرين على تحمل المسؤولية، لذلك تجدهم في مناصبهم قاعدين ، وحين يغادرون يعودون لاحقا!! - اليابانيون رغم الفيضانات والزلازل يخططون لتنظيم مونديال 2050 والفوز بكأس العالم آنذاك، ونحن لم نبدأ تحضير رياضيينا لأولمبياد 2012 في لندن، ولا للألعاب العربية والمتوسطية القادمة، ولا ندري كيف سيكون حال رياضتنا ورياضيينا ومرافقنا في الموسم المقبل، ومنتخبنا لن يعود إلى ملعب 5 جويلية لأن أرضيته سيعاد إصلاحها مجددا، وكراسي مدرجاته ستُستبدَل، وبالتالي ستغلق أبوابُه إلى حين موعد النهائي المقبل لكأس الجزائر. جزائر اليوم ليست بحاجة إلى تشكيل لجان تجتمع لتناقش وتستمع لفعاليات سياسية واجتماعية تجاوزها الزمن بعيدا عن المتخصصين والمهنيين، بقدر ما هي بحاجة إلى رجال ونساء وشباب يناقشون ويبحثون ويرسمون وينفذون استراتيجية وطنية تنموية للخمسينية المقبلة في كل المجالات، وليس فقط من أجل تغيير الدستور، لأننا إذا ضيّعنا فرصة التزام أبنائنا اليوم ونضجهم وصبرهم ووعيهم، وتمادينا في استغفال الشعب واحتقاره، وضيعنا فرصة البحبوحة المالية المتوفرة، فإن العواقب غداً ستكون حتماً وخيمة..
| |
|