[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إنّ الله قد منّ على عباده بمواسم الخيرات، فيها تضاعف الحسنات وتُمحى السيّئات وتُرفع الدرجات، ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان الذي فرضه الله على العباد، ورغّبهم فيه، وأرشدهم إلى شكره على فرضه. ولمّا كان قدر هذه العبادة عظيماً كان لا بدّ من تعلّم بعض الأحكام المتعلّقة بشهر الصّيام، ومن هذه الأحكام ما يتعلّق بالمسافر والمريض في الصّيام، وهي شرح لما ورد في سورة البقرة في قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} البقرة: .184
أولاً: المريض، قال تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً}؛ يعني مرضاً يشقّ به الصّوم؛ أو يتأخّر به البرء؛ أو يفوت به العلاج. والمريض له ثلاث حالات: الأولى: أن لا يضرّه الصوم، ولا يشقّ عليه؛ لأنه ليس له عذر يبيح الفطر، فيجوز الفطر ويجوز الصيام.
الثانية: أن يشقّ عليه، ولا يضرّه، فيفطرُ لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ} البقرة: .185
ويُكْره له الصّوم مع المشقَّةِ، لأنّه خروجٌ عن رُخصةِ الله تعالى وتعْذيبٌ لنفسه، وفي الحديث: ''إنّ الله يُحبّ أن تُؤتى رُخَصُه كما يكرهُ أن تؤتى معْصِيتُه''. فلا ينبغي العدول عن رخصة الله.
الثالثة: أن يضرّه الصّوم؛ فالصّوم في حقّه محرّم؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} النساء: 29،
وقوله: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} البقرة: 195، ولقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ لنفْسك عليْك حقّا''، ومن حقّها أنْ لا تضرّها مع وجود رخصة الله سبحانه. ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: ''لا ضَرر ولا ضِرار''.
ثانياً: المسافر، المسافر في رمضان يجوز له أن يفطر، ويقضي عدد الأيّام التي أفطرها، سواء دخل عليه الشّهر وهو في سفره أو سافر في أثنائه لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَر} البقرة: .185 وفي الصحيحين عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: كنّا نُسافِرُ معَ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلم يَعِبِ الصَّائمُ على المفطِرِ، ولا المفطِرُ على الصَّائمِ. والمراد بالمسافر؛ في قوله تعالى: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} أي السّفر المبيح للفطر؛ والحكمة في التّعبير بقوله: {على سفر} ـ والله أعلم ـ أنّ المسافر قد يقيم في بلد أثناء سفره عدّة أيّام، ويُباح له الفطر؛ لأنّه على سفر، وليست نيته الإقامة، كما حصل للرّسول صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الفتح، فإنّه أقام في مكة تسعة عشر
يوماً وهو يقصّر الصّلاة وأفطر حتّى انسلخ الشّهر. والله أعلم.