[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قبل أقل من أسبوعين على حلول أعز المناسبات التاريخية على
قلوبنا وعقولنا، ولدى أجدادنا وأبائنا وأبنائنا، وعلى وطننا وشعبنا والكثير
من أحبائنا وأصدقاء ثورتنا.. لا شيء يوحي بأننا مقبلون على ذكرى عيدي
الاستقلال والشباب، وذكرى استرجاع السيادة الوطنية على ترابنا، وكأن قوة
خفية تريد أن تمر الذكرى دون أن نتذكر التضحيات والرجال والنساء الذين ضحوا
من أجل الوطن، ودون أن نتوقف لتقييم مشوار نصف قرن في ظل الاستقلال،
ولنطرح السؤال الكبير الذي طرحه المرحوم العملاق محمد بوضياف، ذات يوم..
إلى أين تتوجه الجزائر؟ وماذا قدّمنا للجزائريين؟ وهل وفّينا بالعهود
وحافظنا على الأمانة؟ وقام كل واحد منا بواجبه تجاه بلده؟ أسئلة
كثيرة تطرح في مثل هذا الظرف مع اقتراب موعد ليس ككل المواعيد، لكننا نريد
الهروب إلى الأمام دون توقف للنظر في المرآة قليلا، ودون أن نجعل من هذه
المحطة فرصة للتغيير والإصلاح والتصحيح كما كانت ذات زمن، وفرصة لكي نذكر
أبناءنا بالإنجازات لنثمنها وبالإخفاقات لنتجنبها، ونذكرهم بالتحديات التي مازالت تنتظرنا لبناء وطن ننعم فيه بالحرية فعلا والديمقراطية حقا والعدالة الاجتماعية الحقيقية والفعلية التي كافحنا من أجلها.
لا برنامج احتفالي واضح ومعلن ومخطط له في مستوى الحدث، نشرك فيه
المواطن والأسر والمؤسسات والجمعيات الجزائرية، ولا ملامح أو بوادر لحدث
عظيم يشعر فيه كل فرد منا بأنه معني وبأن الأمر يتعلق بعيده الوطني لأننا
لم نشركه ولم يعد الأمر يعنيه للأسف، ويعني شبابا قلنا لهم بأن العيد هو عيدهم!
لا تلفزيون عمومي يتحدث ويتجاوب مع الذكرى، ولا أفلام جديدة ولا
برامج ثقافية وفنية معروفة، ولا تاريخ كتبه المؤرخون عن ثورة ومشوار لهما
وعليهما ككل الثورات والمحطات، ولا حديث بيننا سوى عن البرلمان والحكومة
والرئيس المقبل ومنتخب كرة القدم.
بعد خمسين عاما من الاستقلال، لم نجمع بعد على مشروع المجتمع الذي
نريده والدولة التي نسعى لتأسيسها، لقد أصبح الجميع يجرون وراء المناصب
والأموال، ولا أحد يفكر في جزائر الخمسين سنة المقبلة، ولا تبدو في الأفق
بوادر لجزائر جديدة لا زلنا نحلم بها ولم تتحقق في غياب المشروع المناسب الذي يأخذ بعين الاعتبار كل المستجدات والمتغيرات الحاصلة والتحولات المرتقبة..
الأيام القليلة التي تفصلنا عن موعد تاريخي كان يمكن أن نحشد لها
ونشرك فيها المؤسسات وكل فئات الشعب لكي تكون كلها معنية، ونشعر بالافتخار
والانتماء لواحدة من أكبر وأعظم ثورات القرن العشرين، وكان يمكن أن تكون
محطة نعلن فيها التوبة عن أخطائنا ورغبتنا في التغيير، وننطلق نحو تأسيس دولة المؤسسات التي تنتج الأفكار والرجال وتقدرهم وليس دولة الرجال الذين يتحكمون في المؤسسات وفي عقول وقلوب الناس..
قالوا لنا بأن الاحتفالات تنطلق يوم الخامس جويلية، وتتواصل لمدة
سنة وخصصت لها ميزانية تقارب الـ600 مليار سنتيم.. ولكنهم يكذبون، لأنهم
سينسون ذلك وسيستمرون في الحديث عن الحكومة الجديدة والانتخابات المحلية
والرئاسيات والتصحيحيات في الأحزاب، ويعود الحديث عن حرارة الصيف وارتفاع
أسعار الخضر والفواكه وقفة رمضان، ثم الدخول الاجتماعي، وبعده يحين موعد
نهائيات كأس أمم إفريقيا، ونرتمي في أحضان الأحلام التي يصنعها المنتخب
الوطني إلى غير ذلك من الأحداث والمواعيد التي تعود كل مرة ويعود معها
إنتاج الفشل والإخفاق ..
رحم الله "أيام زمان" عندما كان يرفع العلم الوطني في شرفات كل
بيت، وكنا نحتفل ونفتخر ونعتز بالذكرى ببساطة وعفوية وحب وقناعة.. كنّا
نرفع العلم ونردد النشيد ونتذكر تضحيات الشهداء والمجاهدين ونخطط للمستقبل
ونتخذ القرارات التاريخية في يوم تاريخي .
وبصراحة، إنني أخاف أن يأتي اليوم الذي ننسى فيه الفاتح نوفمبر
والخامس جويلية والثامن ماي، وننسى تضحيات الرجال والنساء، وننسى التحديات
مثلما نسينا تجسيد الوعود، ويكبر الجيل الصاعد على حب الذات والمال والجاه
فقط.